هناك حاجة ملحة في الأصل لتظهر رأيك، لأن تقف بين جماعة من ناسك وتؤثر بهم ويؤثرون بك، ثم
تستخلصون سبيلا وتعرفونه وتسعون به. هذا كله جدوى لا بد منها ليستقيم الحكم، ولئلا تصنع طاغية عليك
فينتهي بك الأمر وأنت لا يعجبك شيئا.
الحق الراسخ الآدمي في المشاركة في الحياة السياسية، فطرة في الفرد والجماعة غايتها أن يستوي المجتمع
ويصح، فالرائي وحده إن ينظر بعينه الواحدة دون الأخذ بعين الإعتبار بأراء غيره وتصوراتهم هو دون
الإبداع والذكاء، وهو إلى رغبته الأنية أقرب منها من حاجته إلى صقل آدميته والحفاظ عليها. ومما لا شك
فيه ولا خلاف عليه أن القيادة أو الإدارة أو أياً كان أسمها المنظومة القائمة على أمر الجماعة، فإنها برأيها
وتقديرها وإدارتها ومعالجتها للمسائل، قاردة على تحقيق وتلبية حاجات الفرد والجماعة من غذاء ومسكن
وأمن وكرامة وغيرهم، قادرة أيضاً على الإستبداد ومنع الحقوق.
ومتى نزل الإنسان عن حقٍ فكأنه نزل عن حقوقه جملة واحدة.
فماذا عن اللاجئ المقهور الذي لا يدري أين دفة القيادة؟ طبعاً لا يبرر اللجوء والحالة الفصائلية المعقدة
عزوف المجتمع الفلسطيني عن حقه، الحالة السياسية في لبنان بصورتها العامة أيضاً ليست مبرراً.
ولنفترض أن الفصائل على شاكلتها حالة خاصة، لكنها بطريقةٍ ما جعلت لها رأساً يمثلنا، أي يمثل خلاصة
ما نريد، ويمثل خلاصة ما نرى، فهذا الرأس الذي أخذ منا جسده وأمنه وصوته وهويته وحقه في الحديث
باسمنا في المحافل المحلية والإقليمية والدولية، مسؤولاً وحده عن نقل صوتنا وعبراتنا ولهجتنا، فكيف يحقق
هذا التمثيل السياسي والإداري المرجو منه إذا لم يبلغه صوتنا ورأينا!
لا شرعية لصوت منبثقٍ من الشعب وهو مستقل عنه، وعلى الوجه الأخر لا يصل صوت الذي همس أو
صرخ في وسط فوضى. وليس عصياً على الجماعة الواحدة أن تجتمع وتحدد أولوياتها ومطالبها، فإنها وإن
اختلف منبتها وفرعها فقد وضعت اليوم في خندق واحد.
على الشعب اللاجئ أن يقدر مجريات الأمور، وأن يدرك أن السبب الرئيس في اتساع نكبته أنه وقف
متفرجاً في وجه الأزمات المتعاقبة، وأن عواقب خوفه الذي أسكته زادت الطين بلات.
فاعلم أولا وآخرا أن مكبر الصوت ليس حكراً على أحد، وليس من ضرورة لتفقه بالسياسة حتى تشارك بها،
حقاً شرعياً أكيداً أن تطالب بتمثيلك تمثيلاً صحيحا وأن تشكل جماعة تحت المسمى الذي ترغب، وأن
تستفتى، وأن تعتصم، وأن تعصي، وأن تقول بصوت واضح صريح أن آدمي في جماعتي ونحتاج كذا أو لا
نريد كذا. وهذا حق يرتبط بكونك آدمي بالدرجة الأولى لا بكونك مواطن في وطنك.
كفلت القوانين الدولية دون التمييز الحق في تقرير المصير، فلا شرعية لبعض أفراد في تقرير مصير
الجماعة دون الرجوع إليها.