مخيم البرج الشمالي: المياه مُهدَدة، والأهالي في خطر

26
May
مخيم البرج الشمالي: المياه مُهدَدة، والأهالي في خطر
 
لم يكن ليخطر ببال أحد منذ خمس سنوات وصولاً إلى اليوم أن نصل إلى هذه المرحلة وإلى هذا التردي في الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية. فالحاضر في هذه البلاد ليس إلا ماضٍ يتكرر بكل ما فيه من مآسٍ.  
من كان يتوقع مع دخول سنة ٢٠٢٢  أن قاطنو هذا البلد سيعانون  للحصول على أبسط مقومات الحياة.. والمشكلة تكمن في  تفاقم وازدياد الصعوبات في إيجاد الحلول لهذه الأزمات مع التقدم في الزمن. 
وفي بلد مثل لبنان، فإن هذه الأوضاع هي بمثابة جحيم لمواطنيه .. أما بالنسبة للاجئين في هذا البلد "لبنان" فهذه الأوضاع تعتبر جحيماً مضاعفاً لهم. 
مع كل هذه الصعوبات التي تفرضها الحياة داخل لبنان، تأتي تقليصات الأنروا لتزيد الطين بلة وتفاقم أوضاع اللاجئين الذين يواجهون الكثير من المشكلات التي تجعل خيار  حصولهم على حياة سليمة خياراً بعيد المنال.. وبات اللاجىء مقتنع بمفهوم أن العيش بكرامة قد يقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، الأمر الذي من شأنه أن ينذر بأزمة حقيقية تتعلق بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين داخل لبنان الذين ومنذ تاريخ لجوئهم يحاربون للحصول على حياة كريمة .. وعلى الرغم من ذلك لم يتحرروا من لقب "مواطنو الدرجة الثانية".
إن وكالة الأنروا أعلنت العام الماضي عن تقليصات تطال الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين في لبنان. وأتت هذه التقليصات في وقت يعاني فيه لبنان من أسوأ أزمة اقتصادية تمر بالبلاد، والتي أنتجت  ظروفاً مستجدة وجد اللاجىء نفسه مضطراً لمجابهتها بشكل يومي.
في مخيم برج الشمالي، يقطن أكثر من ٩٠٠ ألف لاجئ يعيشون في قلب هذه الأزمة. هذا المخيم الذي يقع شرقي مدينة صور جنوبي لبنان عانى في السنوات الثلاثة الأخيرة من أزمات عديدة، وكان من أبرزها أزمة المياه التي بدأت تتفاقم بشكل كبير السنة الماضية. لقد تم إقرار اتفاق يقضي بتقسيم المخيم إلى قسمين، على أن تؤمن المياه لكل قسم كل يومين .. وذلك يعني أن المياه إن توفرت اليوم في القسم الأول فهي لن تتوفر في القسم الثاني، والعكس صحيح .. 
إن تنفيذ هذا القرار بشكل فعلي كان كفيلاً بإحداث تغييرات جذرية في حياة اللاجئين داخل المخيم.. فالمياه أصبحت صعبة المنال، وبعد أن كانت متوفرة في جميع الأوقات، أضحت اليوم مورداً نادراً يتوجب على قاطني المخيم الاقتصاد في استعماله. وما زاد من صعوبة هذه الأوضاع أزمة الكهرباء والانقطاع المستمر لها، الأمر الذي زاد من صعوبة الموقف، ووضع اللاجئين أمام وضع حياتي لا يحتمل.
ولأن المياه تعتبر شريان الحياة للإنسان، فإن أكثر من تأثر بأزمة انقطاعها ربات المنازل اللواتي تستخدمن المياه في جميع أعمالهن المنزلية اليومية . 
وفي هذا الإطار تحدثنا مع السيدة (أ.ن) وهي ربة منزل مقيمة في مخيم برج الشمالي، حيث أوضحت لنا صعوبة الحياة اليومية في ظل أزمة انقطاع المياه التي يعاني منها المخيم حالياً، وقالت: " تبدأ المعاناة  مع بداية الساعات الأولى من الصباح. نحن نضطر للاستيقاظ باكرا لملئ خزاناتنا لأنه الوقت الوحيد الذي تصل المياه فيه إلى منازلنا. هذا الأمر صعب جداً علينا بخاصة في فصل الشتاء. ثم نتابع بقية يومنا بحرص شديد لعدم استهلاك الكمية الموجودة في خزاناتنا لكي تكفينا لمدة يومين".
 
وعند سؤالنا لها عن التغييرات التي طرأت على يومياتها بعد تفاقم هذه الأزمة، قالت: "كل شيء تغير. اليوم الذي نقوم بالاستحمام فيه لا يمكننا استخدام المياه فيه لشيىء آخر. وأصبح الاستحمام في بيوتنا تبعاً للمواعيد. فلا يمكن لإثنين من أبنائي الاستحمام في يوم واحد، وإلا ذلك يعرضنا لخسارة المياه من خزاناتنا. كما من شأن ذلك أن يعرضنا للعجز وعدم قدرتنا على القيام بأعمال أخرى.. المعاناة مستمرة، ووصلت إلى الحد الذي بتنا فيه نحتسب المدة التي تبقى فيه حنفية المياه مفتوحة خوفاً من إسراف الكمية التي لدينا والتي من المفترض أن تكفينا ليومين وليس يوم واحد. نحن نأسف وصول الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم ..
ثم أردفت:" الله يجازي الي كان السبب".. 
 
لم تتأثر ربات المنازل فقط بهذه الأزمة، بل امتدت هذه الأزمة لتطال محلات بيع المياه بشكل كبير،  وهي محلات يعتمد أصحابها على تكرير المياه وبيعها كمياه صالحة للشرب.
وفي حديثنا مع السيد (ن.ح) وهو أحد أصحاب محلات المياه داخل المخيم، قال لنا :" إن الوضع كان كارثيا في بادىء الأمر. ففي ليلة وضحاها وجدنا أنفسنا نعيش أمراً واقعاً مفروضاً علينا.  كان علينا إيجاد حلول سريعة للأزمة، وإلا كانت مصالحنا مهددة بالإقفال".
وعندما سألناه عن هذه الحلول، أجاب:" في البداية، كنا نستهلك كل ما لدينا من كميات مياه لتلبية ما نستطيع  من الزبائن، وتأجيل الباقي لليوم الثاني. وأدى ذلك إلى خلق ضغط كبير وهائل علينا، ما اضطرنا إلى العمل لساعات طويلة أكثر بكثير مما اعتدنا عليه.  ومع مرور الوقت، اعتدنا على النظام الجديد، ولا نزال حتى وقتنا الحالي نحاول قدر المستطاع تلبية الزبائن كافة. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الموضوع لا يزال في غاية الصعوبة".
وعندما طلبنا منه أن يتوجه برسالة للمسؤولين، قال:" لقد وصلنا إلى مرحلة سئمنا فيها من توجيه الرسائل. ولكن على الرغم من ذلك نحن نطالب المسؤولين النظر إلى أحوالنا بجدية.. لقد أصبحت المشاكل تلاحقنا من كل صوب. هم  قابعون في أماكنهم غير آبهين بكل ما يجري لأهل المخيم. عليهم واجب الضغط على وكالة الأنروا لتحسين الأوضاع. وكأنه ينقصنا مزيداً من تقليص للخدمات، بخاصة في موضوع المياه الذي في حال استمر فإنه سيؤدي إلى زيادة معاناة أهل المخيم أكثر فأكثر".
إن أزمة المياه التي تعصف بمخيم برج الشمالي حالياً تعتبر من أصعب الأزمات التي مرت على الأهالي في السنوات العشر الأخيرة. وما جعل هذه الأزمة صعبة هو أنها لم تكن متوقعة، بخاصة أن المياه تعتبر شريان الحياة الأساسي ومن أهم عناصرها.
 
ولعل حديثنا عن أزمة المياه يعيدنا بالذاكرة إلى الطفل محمد خالد عبد الرازق والسيدة عائشة محمد دحويش اللذين وافتهما المنية وهما يتفقدان خزانات المياه .. ويعزي أهل الضحيتين وفاتهما للقضاء والقدر ..
ويتداعى إلى بالنا التفكير بالتالي:" ماذا لو كانا في بقعة مختلفة من هذه الأرض؟ ماذا لو كانا يعيشان ظروفاً مختلفة عن ظروفهما التي عاشاها؟  هل كانا سيبقيان حينها على قيد الحياة؟