نضال مع وقف التنفيذ

07
Sep

نضال مع وقف التنفيذ

لنلفت نظرك بدايةً أيها القارئ أنَّ هذا المجتمع اللاجئ حالة خاصة، خاصة بقيودها ومآسيها المُضافة، وخاصة بوضعها السياسي، وسلْ برعاية من نحن، وتحت أي بندٍ قانوني في الدول المُضيفة ننأى بأنفسنا فلا ننخرط.

لكنَّ حقيقةً مُسفِرة لم تزل تنُم بأننا جزءًا لم يتجزأ من فلسطين التاريخية، ونحن امتدادها المُكره على اللجوء.وقد انتهينا بالفعل إلى أشكالٍ عدة من النضال ودعمه ضِد المُستعمِر “الإسرائيلي”، وخلصنا أنهُ على ثلاثة أوزان.

وزنٌ أول منخرطٌ بشكل تام في النضال العسكري والسياسي والشعبي، ووزنٌ ثان منخرطٌ بشكل سلمي في النضال السياسي والشعبي، ووزنٌ ثالثٌ أخير منخرطٌ بشكلٍ يائس في النضال الشعبي، ولا أوزان للنضال بعد هذا.

وكما هو واضح جلي نحن على وزن اليائسين لاعتباراتٍ خاصة وعامة نناضل نضالًا شعبيًا أعرجًا… لأبين لكَ كيف يكون النضال أعرج.

في مرات خلت كُنا فيها على تماسٍ مع الأجواء في فلسطين، تطرقُ علينا اللجان الشعبية أبواب المدارس وتدعونا فجأةً إلى شوارع المخيَّم، سنعلمُ ونحن نتجهز في نقطة الانطلاق أنَّ العدو تجرأ على القدس، ونهتفُ نحن الأشبال والزهرات دون سقفٍ يعلونا، أو قد تخرجُ بنا لجانٌ تتبع لحركات وتنظيمات فلسطينية إلى صدر مدينة في البلد المضيف أطيافًا متفاوتة، نهتفُ مع الجموع الغفيرة هُنا هتافًا رافِضًا للعدوان يرتعدُ منهُ مستعمِرٌ متبجَّحٌ في تل أبيب.

لكن إليك الصورة لليوم، الشوارع تخلو من الغاضبين، بطريقةٍ ما وقف الوسيط بيننا وبين الجهة المضيفة يخففُ الأحكام، وصدَّرَ قرارًا مُلزِما، أنه 'تحسُبًا من الانزلاق في اصطفافات سياسية أو الاحتكاك بفتيل الطائفية في البلد المضيف سننزِلُ عن خيار الترجل في الشوارع والهتاف عاليَّ النبرة ضد الاستعمار.

ومنها إلى التعبئة الجماهيرية التي يعمل عليها الشباب المُلِم بمجرى الأحداث والتقلبات الأمنية والسياسية في فلسطين، أكان من تلقاء المجتمع المدني أو من تلقاء لاجئ غيور على حقه، وميدانها الأساس مواقع التواصل الاجتماعي.

وقد يحسبُ المرء بعد سلسلة ورشٍ تدريبية حول حقوق الإنسان والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتنافية، أضِف إلى ورش تدريب على سبل الخطاب والجمهرة والتسويق الصحيح وبثوثًا من تجاربٍ آدمية بلغت أو أقله أسمعت، سيحسبُ أنهُ سينطلق في نضاله حتى يجد عقله وتعابيره تُغربل!

أو مُتحيِّنًا في ظرف صعب أنْ تتحسن جودة الانترنت حتى ينشر خطابا مقتضبا بالعامية يروي فيه حقيقة جناية ارتكبها المستعمِر، ويُرفق به صورةً من صلب الواقع، لكنَّ سياسة المواقع ترفض العنف!

وهذه على ما يبدو جرائم متسلسلة ترمي إلى بتر المجتمع اللاجئ عن المجتمع في فلسطين المُستعمرة، فينتهي إلى أنَّ شعبا لا يناضل فلا يستحق، وهذا ما دللت عليه قرارات الأمم المتحدة التي بيَّنت أنَّ الحق في العودة للراغبين فيها ولكل فردٍ خياره في مسألة العودة من عدمها، وهنا يطرحُ سؤال نفسه، كيفَ يصرِّح الفرد برغبته بالعودة ما لم يناضل؟

والنضالُ بعينه حقٌ يٌسلبُ منا شيئا فشيئا لذرائع معلَّبة، قد أبداهُ المجتمع الدولي فعلا متحفظًا فيما يخص الحالة الفلسطينية، فحكم بشرعية النضال مع وقف التنفيذ.

بيد أن هذا كله لم يلغِ دور الشباب الفلسطيني اللاجئ في النضال وفي استثمار لجوئه داعما لآلة نضال متجددة في فلسطين، فالشباب اللاجئ إعلامٌ متنقل متحدث يخدم الخبر الفلسطيني، وراوٍ مصحح لرواياتٍ مسمومة مبثوثة عبر ماكينة إعلام العدو، وصامدٌ يتمسكُ 'بلا للتوطين.'

بقلم: مروة كندي