أربعة وسبعون عاماً من الاختناق والكيل بمكيالين

03
Jun

ذكرى النكبة .. أكثر ما يفتح شهيتنا لحروف القول التي ما سكتت ولا تاهت رغم كل تلك السنين والأيام التي مرت .. لم يلملم الشعب الفلسطيني جراحه رغم مرور 74 عاماً على نكبته، ولا تزال رائحة البيارات، ومفاتيح العودة وتفاصيل الحياة البسيطة تهيمن على حكايات الأجداد أينما حلّوا.

 

وفي كلّ من الداخل والشتات، يحيي الفلسطينيون يوم 15 مايو/أيار من كل عام ذكرى نكبة عام 1948 حين هجرتهم العصابات الصهيونية من ديارهم، وأقامت على أراضيهم ما بات يعرف "بإسرائيل" تحت سمع وبصر قوات الانتداب البريطاني في معظمها - فقُتل الآلاف وغالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وهُجّر مئات الآلاف منهم على مدار عقدين، إما كنازحين داخل ما تبقى من فلسطين مما لا تصل له يد العصابات الصهيونية، أو كلاجئين إلى دول الجوار (الأردن، ولبنان، وسوريا، والعراق).

حتى أن هؤلاء النازحون واللاجئون لا يزالون يحلمون بالعودة لفلسطين، وكثير منهم يحملون لغاية اليوم  مفاتيح بيوتهم التي هُجّروا منها .. ومن قضى نحبه قبل أن يتحقق حلمه فقد ورّث حلمه لأبنائه وأحفاده من بعده.

 

فماذا يعني حق العودة؟

 

هو حق الفلسطيني الذي طرد أو خرج من موطنه لأي سبب عام 1948 أو في أي وقت بعد ذلك ..  هو حق  العودة إلى الديار أو الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه حياة اعتيادية قبل 1948.

 

وهذا الحق ينطبق على كل فلسطيني سواء كان رجلاً أو امرأة، وينطبق كذلك على ذرية أي منهما مهما بلغ عددها، وأماكن تواجدها، ومكان ولادتها، وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

 

وهو حق مكفول دولياً وغير قابل للتصرف، مستمد من القانون الدولي المعترف به عالمياً، ومكفول بمواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عام 1948، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 13 على الآتي:

 " لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده".

 

ومن خصائص حق العودة:

أنه غير قابل للتصرف، ويعتبر من الحقوق الثابتة الراسخة مثل باقي حقوق الإنسان، لا ينقضي بمرور الزمن ولا يخضع للمفاوضة أو التنازل ولا يسقط أو يعدل أو يتغير مفهومه في أي معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع، حتى لو وقعت على ذلك جهات تمثل الفلسطينيين أو تدّعي أنها تمثلهم .. فهو حق شخصي، لا يسقط أبداً، إلا إذا وقع كل شخص بنفسه وبملء إرادته على إسقاط هذا الحق عن نفسه فقط.

 

بدأت قضية اللاجئين منذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 في 29 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1947، أو ما يسمى بقرار التقسيم، حيث جرى فرض تقسيم فلسطين التاريخية إلى ثلاثة كيانات تتشكَّل من دولتين إحداهما يهودية على 55% من أرض فلسطين، والأخرى عربية فلسطينية على حوالي 44% من أرض فلسطين، مع بقاء القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية. وقد شكَّل قرار التقسيم مبرراً للحركة الصهيونية لإقامة دولة على جزء من أرض فلسطين تجاوزت المساحة الواردة في قرار التقسيم، كما أدى إلى طرد وتهجير أكثر من نصف السكان العرب الفلسطينيين من أرضهم وبيوتهم وترابهم الوطني.

 

وفي عام 1948 وحده، جرى تهجير حوالي 850 ألف فلسطيني شكَّلوا آنذاك 61% من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ 1400000 فلسطيني ليطلق عليهم لقب "لاجئين". وتركَّز معظم اللاجئون الفلسطينيون إثر نكبة عام 1948 في المناطق الفلسطينية الناجية من الاحتلال، أي في الضفة والقطاع 80.5%، في حين اضْطُرَّ 19.5% من اللاجئين الفلسطينيين للتوجُّه إلى الدول العربية الشقيقة، سوريا والأردن ولبنان ومصر والعراق، كما توجه العديد منهم إلى مناطق جذب اقتصادية في أوروبا وأميركا، وكذلك إلى دول الخليج العربية.. كما تغيرت الخريطة الديموغرافية للشعب الفلسطيني بعد طرد الجيش الإسرائيلي لنحو 460 ألف فلسطيني في عام 1967 إثر احتلال الضفة والقطاع".

 

وفي 15 مايو/أيار 1948 قامت الحركة الصهيونية بالإعلان عن قيام دولة إسرائيل، وقد توسعت مساحة هذه الدولة لتشمل 77% من أراضي فلسطين، بما في ذلك الجزء الأكبر من القدس. بالمقابل سيطرت الأردن ومصر على بقية أراضي فلسطين التي ضمت (قطاع غزة والضفة الغربية) بما فيها القدس الشرقية.

 

حرم  الفلسطينيون  من ممارسة حق العودة الذي ضمنته لهم المواثيق الدولية والإقليمية والدساتير بسبب التعنت الإسرائيلي الذي يواجه هذا الحق بالقوة والقوانين الوطنية والعنف، مع العلم بأن كل دول العالم اعترفت بهذا الحق ما عدا إسرائيل. ولهذا فقد استفادت إسرائيل من غياب استراتيجية فلسطينية وعربية تتصدى للاستيطان وللاحتلال، وتجعل إسرائيل تدفع ثمن استمرارها فيهما.

 

ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في مناطق اللجوء، فإن الشباب الفلسطيني يتمسك بحق العودة إلى وطنهم فلسطين، فمشاكلهم لن تحل إلا بعودتهم إلى وطنهم مهما حصل من تحولات. إن الشعوب العربية بشكل عام، والشعب الفلسطيني بشكل خاص يدركون الحقيقة التي لا لبس فيها، والتي تتمثَّل في أن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، إذا ما طبق سيعني نهاية إسرائيل بما هي عليه كدولة يهودية عنصرية وبالتالي وأد المشروع الصهيوني برمته.

 

غير أن ما يستصرخ قلوبنا ويذكرنا بالهجرة والنكبة هو حالة التهجير المرعبة التي عاشها اللاجئون الفلسطينيون من سوريا، فكان من المؤلم أن تلفظهم الأرض مرتين دون أي اكتراث من المجتمع الدولي والمتصارخين بحقوق الإنسان.. فتمر النكبة وقلوبهم يملؤها القهر والألم والحسرة على وطنهم فلسطين وبيوتهم التي تركوها في أرضهم الثانية سوريا،  فهم جزء من حكاية شعب تهجر قسراً ورغماً عنه بقوة السلاح في ظل صمت دولي رهيب.

 

ولعل الثابت الوحيد فيها هو إرادة شعبنا الفلسطيني الذي يبتدع في كل يوم أساليب جديدة للمقاومة تعبر عن أصالته وتمسكه بحقوقه السليبة .. أما الاحتلال ورغم ما يعيشه من تهديد وجودي حقيقي جعل من ذكرى النكبة وبالا عليه  .. إن الاستقرار المنشود لهذا الكيان السرطاني مجرد وهم ، وإن كل حالات التطبيع المسعورة ما هي إلا فقاعات من الهواء، وإن أي سلام عادل وشامل ودائم في المنطقة لا بد أن يستند إلى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بالعودة، بموجب القرار 194، وحق تقرير المصير .. وسيأتي يوم ينجلي به هذا الكيان مهما طال الزمن.. فقضية العودة لا تسقط مع تقادم الزمان والمكان.