العودة حق

04
Jul

 

باتت القضية الفلسطينية جرح الفلسطيني وحده، ووسيلة العرب وحدهم  للمتاجرة والمساومة وتحقيق هدفهم الوحيد ..  فهي ليست اقتصاداً زاهراً، ولا تطوّراً نافراً، ولا إبرازاً للوجود، والهيمنة على القضية الفلسطينية وسلبها من المُعتدين وردها لأهلها ..  إنما الهدف هو البقاء في السلطة حتى نهاية العالم .. ولتذهب القضية الفلسطينية إلى الجحيم، وليبقى كرسي الحكم ... إنها الحقيقة التي تكشفها لنا تطوّرات القضية الفلسطينية كل يوم، ونكتفي بتطبيع الدول العربية التي كانت تبرز في المحافل الدولية وتنادي بحقوق الفلسطينيين، ها هي اليوم في مقدمة المُطبّعين والمُتعاونين والمخفي أعظم.

منذ سنوات بعيدة وحتى اليوم لم تنتهِ الانتهاكات الإسرائيلية  بحق الفلسطينيين ومُقدساتهم.. وليس بالعجيب أن نشاهد كل يوم خبر إعتداء أو تعدٍ، بل أصبحنا نتوقع المزيد والمزيد، والحكومات العربية لم تعد مكتوفة الأيدي بل هي حرّكتها لتصافح وتتعاون مع هذا الكيان.. الأمر لم يعد مقتصرًا على إنكار حق من الحقوق الشرعية كحق العودة..

إعتقال وتنكيل .. قصف وهدم منازل .. جرائم متواصلة طالت الصغار الرّضع، والكبار الرّكع، والبهائم الرّتع .. كل معايير الإنسانية باتت حبراً على ورق وشعارات فحسب.. والكيان الصهيوني مُستمر، لا حدود له ليقف عندها.

هذه جملة من الانتهاكات الإسرائيلية، أما التعامل العربي مع القضية الفلسطينية  فقد فتر.. هو ليس كتعاملهم مع أُوكرانيا اليوم، وليس كتعاملهم مع أحداث بنت ساعات أمام أحداث مضى عليها قرن من الزمن!!. إن قضية احتلال إسرائيل لفلسطين ليست فقط محور القضية فحسب، إنما هذه القضية هي عنوان لقضايا سلب الحق والاعتداء على الإنسانية وإعدام الهوية، والعرب يتفرّجون بل ويساهمون.. وكأنّ ما عاشته فلسطين هو عبارة عن فيلم سينمائي، يتكرر بشكل مستمر مللنا من مشاهدة ذات السيناريو وذات المشاهد باستمرار ..!!

 

في البداية

نتيجة قيام الدولة الإسرائيلية بمساع عربية خفية في عام 1948 وذلك على أكثر من 80% من أراضي فلسطين التي كانت آنذاك تسمى بفلسطين الانتدابية... طُرد أغلبية السكان الأصليين من شتى بقاع فلسطين وهُجّروا إلى شتى بقاع العالم بصفة لاجئين.. ومن حينها إلى يومنا هذا ، بقيت القضية الفلسطينية القضية العربية الأكثر تعقيداً،  وبقيت قطعة نقدية بيد العرب.. حتى حققت إسرائيل هدف الاستيلاء وبالقوة على ما بقي من الأرض العربية منذ الأزل، وهي أرض من حق الفلسطينيين فقطدوزن سواهم..

وفي الحديث عن نوع الهجرة الفلسطينية وبخلاف الادعاءات والمزاعم الإسرائيلية بأن تلك الهجرة هي طوعية، إلا أن الأكاديميين المعنيين بدراسة الهجرة أكدوا بأنها كانت هجرة قسرية ناتجة عن فعل إجباري، استخدمت فيه أساليب الترهيب والمجازر والاعتداءات الإنسانية والحربية.. إلا أن مزاعم إسرائيل بأن هجرة الفلسطينيين من أوطانهم هي هجرة طوعية، ما هي إلا ذريعة للتهرب من تحمل المسؤولية الدولية وهي التهجير القسري بقوة السلاح وانتهاك الحقوق بطرق غير شرعية... إذ أنها وبموجب القانون الدولي فإن إسرائيل تتحمل كافة التبعات القانونية والسياسية والإنسانية عن استمرار مشكلة اللاجئين إلى يومنا هذا، وخلق مشكلة اللجوء الفلسطيني  التي باتت مشكلة البلدان العربية المجاورة وأبرزها لبنان..

 

العودة

"عائدون ..عائدون/ إننا لعائدين/ فالحدود لن تكون/ والقلاع والحصون/ فاصرخوا يا نازحون/ إننا لعائدين .."

باتت عودة الفلسطيني إلى دياره حلم وهو بالحقيقة حق .. كانت فكرة العودة هي مُحرك النضال الفلسطيني منذ عقود، وحق العودة  بالأصل هو حق أصيل لا يمكن لأي أحد أن يُنازع فيه ولا أن يمنع اللاجئين من العودة طبقاً لأحكام القانون الدولي.

حق العودة حق شرعي

نحن نتكلم عن حق، وكل تفاصيل هذا الحق معترف بها دولياً ولا جدال في الأمر.. إذ إن هذا الحق مكرّس في أغلبية المواثيق الدولية والإقليمية التي يتكون منها القانون الدولي لحقوق الإنسان، وأهمها:

  1. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966). 
  2. المعاهدة الدولية لاستئصال كافة أشكال التمييز العنصري (1965).
  3. المعاهدة الأمريكية لحقوق الإنسان.
  4. الشرعة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب. 
  5. البروتوكول الرابع في الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

 

هذا الحق تابع للملكية الخاصة التي لا تزول باحتلال أو بفرض السيادة على البلاد.. هو حق لا يسقط بالتقادم مهما طالت المدة، إلا أن الفلسطينيين حُرموا منه..

 ونذكر في هذا الصدد أنه بعد صدور قرار التقسيم "181" عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ  (29 /11/1947) ، أصدرت الجمعية العامة، بناءً على توصية الوسيط الدولي الكونت برنادوت قرارها الشهير رقم  (194) المتعلق بحق العودة (11/12/1948)، والذي تمت معارضة هذا القرار من قبل جميع الدول العربية الممثلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكانت حينها مصر والعراق ولبنان والسعودية وسورية واليمن، إضافة إلى رفض منظمة التحرير الفلسطينية لهذا القرار.

وقد جاء في الفقرة 11 من القرار وجوب السماح بالعودة بأقرب وقت للاجئين الراغبين بالعودة إلى ديارهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم .. إلا أن هذا القرار  لم يكن عادلاً، وهو لم يُجبر إسرائيل بتطبيق الأحكام التي نص عليها القرار، ودعا إلى نوع من التعايش السلمي مع الجيران أي اليهود.

ومما لا شك فيه أن القرار (194) لعب دوراً مهماً في صون قضية اللاجئين وحقوقهم على مدى زمن، وشكل مدخلاً لإثارة  قضية اللاجئين كل عام في الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة.

لقد صنفت الأمم المتحدة هذا الحق كحق إنساني بحت وهو من الحقوق التي لا تقبل التصرف،  وهذا يعني أنه حق ملازم للكرامة الإنسانية ولا يحتاج للاعتراف به ولا يجوز للغير التصرف به.

نخلص إلى القول بأن هذا الحق هو حق لا يخضع للمساومة أو المقايضة... لكن البلاد العربية ساومت وقايضت وتهاونت بهذا الحق ...

هذا القرار لا يميز بين لاجئي 48 ولاجئي 67، وهو يتوجه للاجئين الفلسطينيين كمجموعة واحدة، وأكثر من ذلك فإن القرار يستخدم مصطلح "الشعب الفلسطيني" بدل مصطلح "اللاجئون الفلسطينيون".

نكرر ونقول بأن حق العودة إلى الوطن هو حق أساسي من حقوق الإنسان، لا يسقط بالتقادم مهما طال الزمن. وقد أقر هذا الحق عدد كبير من المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

ولا تسمح قواعد هذا القانون بداية بطرد المدنيين سواء كان الطرد فردياً أم جماعياً، وهذا ما نصت عليه المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948.

العودة حق شرعي وحق لا يقبل النقاش فيه.. والحديث عن هذا الحق لا يمكن حصره بين سطور هذا المقال..